ربع كيلو جوافة !!
جلس بجواري فـ محطة "محمد نجيب" اتجاه الجيزة، رجل مسن، فـ الخمسينات من العمر، هكذيظهر ع ملامحه، كتفه منحنى من كثرة الهموم، والمشاكل التي طالما حملها ع كتفيه، يحمل فـ يده اليمنى، أوراق تحاليل، وفحوصات قد أجراها، وفي يده اليسرى، شنطة بلاستيكيةبها ¼ كيلو جوافة، وضع الجوافة ع الأرض، وقام بتفحص التحاليل والفحوصات، مع همهمةبسيطة أصدرها من فمه، لم أسمع منها سوى كلمة "الحمد لله"، لم تكن إمتعاض، ولكن رضى بالحال.
وفـي وسط تفقده للتحاليل، أتى المترو، قام الرجل مُسرعًا، يلملم أوراقه، وذهب إلى باب المترو، حاملًا فـ أحدى يديه الأوراق فقط، ونسى الحِمل الصغير، الذي كانت تحمله يداه الآخرى، فـ مشهد من الأسى والحزن لما آراه يظهر ع هذا الرجل الكبير.
جلست أنظر إلى الجوافة، نظرة متأملة، لما تحتويه من معاني، ظهرت لي، من مجرد رؤيتها، وظل الناس ينظرون إلى، وأنا سارح بها، فـ ضحك البعض، وتهكم البعض بسخرية على المشهد الدائر أمامهم، ولم يهتم البعض الآخر، ولكن ما جعلني أنظر إليها بهذه النظرة المتحسرة المتأملة ؟!.
ما الذي يجعل هذاالرجل المسن أن يشترى ¼ كيلو فقط من الجوافة !!، هل هو عدم توافر النقود معه ؟!،أم لوصفة علاجية، وقد أمره الطبيب أن يأكل البعض منها ؟!، أم أنه يعيش وحيدًا فـي هذه الدنيا، وقد أتى بنصيب له بمفرده، كانت نفسه مائلة إليها، ويريد إستطعامها،ولا يوجد من يشاطره أكلها ؟!، الله أعلم بحال الرجل، وسط هذه التساؤلات، تظهرإجابات، ودلالات للإجابة على هذه الأسئلة.
لنفرض بعض الإجابات معًا، وهي عدم توفر النقود، ومالت نفسه إلى حب الجوافة، وقد أشترى القليل منها ليشبع رغباته وإحتياجه لها، فكيف له ألا يتذوقها، وقد مالت لها نفسه، ولكن إذا كان أشترى له بعض الجوافة لوصفة علاجية، فأنه قادر ع شراء مثلها فـ وقت لاحق،وإذا كان رجلًا وحيدًا، لا يوجد من يشاطره أكلها، وقد أتى بها لمفرده، فكيف سيشعر فـ حال فقدانها، كما فقد الرفيق، رفيق دربه، شريك حياته.
لصعوبة التعرف ع إجابة محددة، ولأني لم أكن فـ حال يسمح لي بالتصرف السريع، لكنت توصلت إلى حل لإعادة هذه الفاكهة إلي صاحبها، عن طريق شرطة المترو، دون النظر إلى سخرية البعض مني لإعادة هذا القدر القليل من الفاكهة، ولكني لم أنتبه لحل مثل هذا، ليعوض الله له بالذي أحسن منها، وأطعم منها، ويؤانس الله وحشته، ووحدته بالذي يعوض عليه حزنه وكآبته، ويشفيه الله، ويغفر له، ويُجنبه شرور الدنيا.